الجمعة، 10 يوليو 2009

الرد على شبهة سورة البقرة آية 133

.
====================
.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم



.


.

يقول المستشرقون :- أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. البقرة 133

كما هو واضح من الأية فأن أبناء يعقوب (أسباط إسرائيل) يجيبون سؤال أبيهم حول من سيكون معبودهم بعد وفاة أبيهم بأنه إله يعقوب (أبوهم) وإله أباء يعقوب الذين هم بحسب الأية إبراهيم، إسماعيل، إسحاق.

كلنا نعرف بأن إسماعيل وإسحاق أخوة من أب واحد هو إبراهيم. ونعرف أيضا بأن أبو يعقوب هو إسحاق. وطبعاً إسماعيل هو عم يعقوب.

لكن القرآن يأبى أن يكون إسماعيل مجرد عم ويضعه في خانة الأباء. مخالفاً بذلك أيات سابقات تبين أستحالة أن يكون إسماعيل أباً ليعقوب. وأيضاً مخالفاً للتوراة والإنجيل.

لا تغضب عزيزي القارئ، ولا تتهمني بعدم فهم عادات العرب. أغلبكم سيقول أن العم بمثابة الأب، لهذا وضع القرآن إسماعيل في خانة الأباء لكونه عم يعقوب.

كلام جميل، فقط لو لم يكن هناك أراء أخرى لا يدري بها أغلب القراء.

أنت تعرف بأن هناك عدة قراءات للقرآن، ربما لم تتطلع عليها بنفسك. دعني أخبرك بهذه القراءات.

القراءات القرآنية:

قرأ أبن عباس، الحسن، أبن يعمر، أبو رجاء، عاصم الجحدري هذه الأية "وإله أبيك إبراهيم":

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبيكَ إِبْرَاهِيمَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

قرأ أبي الأية "وإله إبراهيم":

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

المصدر: معجم القراءات القرآنية / الطبعة الثالثة / المجلد الأول / صفحة 262 - المؤلف: د. أحمد مختار عمر / د. عبد العال سالم مكرم - الناشر: عالم الكتب / القاهرة - مصر.

أراء المفسرين:

يورد مفسري القرآن هذه القراءات في تفسيرهم. 

يقول الطبري:

وقرأ بعض المتقدمين : " وإله أبيك إبراهيم " ظناً منه أن إسماعيل إذ كان عما ليعقوب، فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء وداخلا في عدادهم.

يقول القرطبي:

وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر والجحدري وأبو رجاء العطاردي " وإله أبيك " وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون أفرد وأراد إبراهيم وحده، وكره أن يجعل إسماعيل أباً لأنه عم. قال النحاس : وهذا لا يجب ; لأن العرب تسمي العم أباً. الثاني : على مذهب سيبويه أن يكون " أبيك " جمع سلامة.

بأمكانك أن تقرأ بنفسك أراء المفسرين في موقع الإسلام.

أنا أفهم أمكانية وضع العم في خانة الأباء، ولكن وجود قراءات أخرى تحاول أن تتخلص من أشكالية وضع إسماعيل في قائمة أباء يعقوب تثير الريبة.

هل قراءة "وإله أبيك إبراهيم" مفتراة مثلاً؟ أو ليس قارئيها ثقات؟

لماذا يحاول القرطبي والطبري أظهار القراء بأنهم حاولوا تغيير أية من أيات القرآن من عندياتهم لقلة علم هؤلاء القارئين؟

إلم يقل الطبري: ظناً منه؟ إلم يقل القرطبي: وكره؟

هل هؤلاء القراء يغيرون كلام الله لأنهم ظنوا فيه وكرهوا قرائته كما أنزل على محمد؟

لو كان هذا صحيحاً لك أن تتخيل ماذا أيضاُ كره القراء قرائته، وما ظنوا أنه صحيح ولم يكن صحيح
....... انتهت الشبهة 
.
الرد على هذا المطعن :- 
.
قبل التطرق للرد على هذا المطعن يجب أن نشير إلى من يطلق كتاب اليهود لقب الأب .
.
فها هو سفر اشعياء يخاطب الإسرائليين ويعتبر سيدنا ابراهيم عليه السلام هو أبيهم لأنه انجب لهم اسحاق الذي انجب لهم يعقوب عليهما السلام بقوله : 
.
اشعياء 51
2 انظروا الى ابراهيم ابيكم و الى سارة التي ولدتكم لاني دعوته و هو واحد و باركته و اكثرته
.
إذن لقب الأب يمكن أن يوجه للعم أو الجد ولا عيب ولا شبهة في ذلك .
.
________________
.
قال القرطبي :
.
قوله تعالى : "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" "إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" في موضع خفض على البدل ، ولم تنصرف لأنها أعجمية . قال الكسائي : وإن شئت صرفت إسحق وجعلته من السحق ، وصرفت يعقوب وجعلته من الطير . وسمى الله كل واحد من العم والجد أباً ، وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من إسحق . و إلهاً بدل من إلهك بدل النكرة من المعرفة ، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية . 
.
وقيل : إلهاً حال . قال ابن عطية : وهو قول حسن ، لأن الغرض إثبات حال الوحدانية . وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر والجحدري وأبو رجاء العطاردي وإله أبيك وفيه وجهان :
.
أحدهما : أن يكون أفراد وأراد إبراهيم وحده ، وكره أن يجعل إسماعيل أباً لأنه عم . قال النحاس : وهذا لا يجب ، لأن العرب تسمي العم أباً .
.
الثاني : على مذهب سيبويه أن يكون أبيك جمع سلامة ، حكى سيبوية أب وأبون وأبين ، كما قال الشاعر :
فقلنا أسلموا إنا أخوكم 
وقال آخر :
‌‌فلما تبين أصواتنا ***** بكين وفديننا بالأبينا
.

.
قال الطبري : 
.
قال: يقال: بدأ بإسمعيل، لأنه أكبر. وقرأ بعض المتقدمين:وإله أبيك إبراهيم ، ظناً منه أن إسمعيل، إذ كان عما ليعقوب، فلا
يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء، وداخلا في عدادهم. وذلك من قارئه كذلك، قلة علم منه بمجاري كلام العرب. والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الاباء، والأخوال بمعنى الأمهات. فلذلك دخل إسمعيل فيمن ترجم به عن الآباء

.

قال الإمام الشعراوي :
.
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. "133")
.
هذا خطاب من يعقوب ينطبق ويمس اليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم .. يعقوب قال لأبنائه ماذا تعبدون من بعدي: "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون". 
.
هذا إقرار من الأسباط أبناء يعقوب بأنهم مسلمون وأن آباءهم مسلمون .. وتأمل دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "نعبد إلهك وإله آبائك" .. فكأنه لم يحدث بعد موت إبراهيم وحين كان يعقوب يموت لم يحدث أن تغير المعبود وهو الله سبحانه وتعالى الواحد .. ولذلك قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: "إلها واحدا" .. وسنأخذ من هذه الآية لقطة تفيدنا في أشياء كثيرة لأن القرآن سيتعرض في قصة إبراهيم أنه تحدث مع أبيه في شئون العقيدة .. فقال كما يروي لنا القرآن الكريم: 
.
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبينٍ "74"} 
(سورة الأنعام) 
.
ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل ابن إبراهيم .. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم). فإذا كان آزر أبو إبراهيم كافراً وعابداً للأصنام .. فكيف تصح سلسلة النسب الشريف؟ نقول إنه لو أن القرآن قال "وإذا قال إبراهيم لأبيه" وسكت لكان المعنى أن المخاطب هو أبو إبراهيم .. ولكن قول الله: "لأبيه آزر" .. جاءت لحكمة. لأنه ساعة يذكر اسم الأب يكون ليس الأب ولكن العم .. فأنت إذا دخلت منزلا وقابلك أحد الأطفال تقول له هل أبوك موجود ولا تقول أبوك فلان لأنه معروف بحيث لن يخطئ الطفل فيه .. ولكن إذا كنت تقصد العم فإنك تسأل الطفل هل أبوك فلان موجود؟ فأنت في هذه الحالة تقصد العم ولا تقصد الأب .. لأن العم في منزلة الأب خصوصا إذا كان الأب متوفيا.
.
إذن قول الحق سبحانه وتعالى: "لأبيه آزر" بذكر الاسم فمعناه لعمه آزر .. فإذا قال إنسان هل هناك دليل على ذلك؟ نقول نعم هناك دليل من القرآن في هذه الآية الكريمة: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك" .. والآباء جمع أب، ثم حدد الله تبارك وتعالى الآباء، إبراهيم وهو الجد يطلق عليه أب .. وإسماعيل وهو العم يطلق عليه أب واسحق وهو أبو يعقوب وجاء إسماعيل قبل اسحق.
.
إذن ففي هذه الآية جمع أب من ثلاثة هم إبراهيم وإسماعيل واسحق .. ويعقوب الذي حضره الموت وهو ابن اسحق، ولكن أولاد يعقوب لما خاطبوا أباهم قالوا آباءك ثم جاءوا بأسمائهم بالتحديد .. وهم إبراهيم الجد وإسماعيل العم واسحق أبو يعقوب وأطلقوا عليهم جميعا لقب الأب .. فكأن إسماعيل أطلق عليه الأب وهو العم وإبراهيم أطلق عله الأب وهو الجد واسحق أطلق عليه الأب وهو الأب .. 
.
<فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أشرف الناس حسباً ولا فخر"> 
.
يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد إبراهيم كان غير مسلم .. 
.
<ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم"> 
.
فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو إبراهيم عليه السلام كان مشركا عابدا للأصنام .. نقول له لم يكن آزر أبا لإبراهيم وإنما كان عمه، ولذلك قال القرآن الكريم "لأبيه آزر" وجاء بالاسم يريد به الأبوة غير الحقيقية .. فأبوة إبراهيم وأبوة اسحق معلومة لأولاد يعقوب .. ولكن إسماعيل كان مقيما في مكة بعيدا عنهم، فلماذا جاء اسمه بين إبراهيم واسحق؟ نقول جاء بالترتيب الزمني لأن إسماعيل اكبر من اسحق بأربعة عشر عاما .. وكونه وصف الثلاثة بأنهم آباء .. إشارة لنا من الله سبحانه وتعالى أن لفظ الأب يطلق على العم .. والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتنبه لمعنى كلمة آزر .. ويريد أن يلفتنا أيضا إلي أن تعدد البلاغ عن الله لا يعني تعدد الآلهة .. لذلك قال سبحانه: "إلها واحدا" ..
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق