الأربعاء، 8 يوليو 2009

الرد على : فحجّ ءادمُ موسى

.
====================
.
بسم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين 
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم
.
روى أبو داود في سننه وأبو يعلى في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى قال: يا رب أرنا ءادم الذي أخرجنا ونفسَه من الجنة، فأراه الله ءادم فقال: أنت أبونا ءادم؟ فقال له ءادم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلّمك الأسماء كلَّها وأمر الملائكةَ فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسَك من الجنة؟ قال له ءادم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبيّ بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أُخلق؟ قال: نعم، قال: فبم تلومني في شىء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "فحجّ ءادمُ موسى، فحج ءادم موسى"..

.
يسول الشيطان لبعض الناس أن يحتجوا على أفعالهم الخبيثة وكفرهم ومعاصيهم بالقدر ، وليس لأحد به حجة بل لله سبحانه الحجة على عباده ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) .
.
فلو جاز الاحتجاج بالقدر لما قال الله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [التغابن : 16]، فلو كان الإنسان مجبورًا لكان تكليفه أمرًا خارجًا عن الاستطاعة ، وبما ليس في الوسع وهذا واضح البطلان .
.
ولو جاز الاحتجاج بالقدر لما كان هناك حاجة لإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ولعطلت الشرائع ، ولما كان هناك معنى لقوله سبحانه : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [النساء /165] .
.
ولو جاز الاحتجاج بالقدر لاحتج به أهل النار، إذ هم أحوج الناس للاحتجاج به أو بغيره، ولكنهم قالوا: ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [ الملك/10] .
.
ولما سئلوا: ( ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين، حتى أتانا اليقين ) [ المدثر /42 - 42].
.
ومما يبطل هذا القول على المحتجين به أنهم يخالفونه في أمور دنياهم، فتجد أحدهم إذا جاع أكل ليدفع الجوع، وإذا عطش شرب ليدفع عطشه، وإذا طلب الولد تزوج، ويراعى أرضه، ويفر من عدوه وهكذا .
.
ونقول لهم: إذا كان الشبع مقدرًا مكتوبا فهو واقع أكلتم أم لا، وكذا الرىُّ والولد كله حاصل بغير شرب ولا نكاح، والأرض تنبت أحسن النبات بغير بذر ولا حرث ولا رعاية ولا حصاد .. وهكذا . فهل يقول بذلك عاقل.
.
ولو صح هذا مسلكا فلماذا تغضب إذا اعتدى عليك معتد ، أو ظلمك ظالم ، أو اعتدى على عرضك نذل؟! ولماذا جعلت الحدود - شرعية عند أهل الإسلام ، أو وضعية عنـــد غيرهم - ؟؟ وكل واحد يقول إنما فعلت ذلك لأنه مقدر علىَّ فلا لوم إذن على سارق ، ولا ظالم ، ولا زان ، ولا ...
.
ولو سُلِّم لذلك لعمت الفوضى والدمار، ولما استقامت حياة الناس، وهذا كله كلام مردود بالفطرة السليمة، والعقول المستقيمة.
.
متى يحتج بالقدر ؟
.
الواجب على العبد - بعد ما سبق - أن يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ، ويؤمن كذلك بشرعه ونهيه وأمره ، فيصدق بخبر الله ويطيع أمره . فإذا أحسن حمد الله تعالى وعلم أن هذا بتوفيق الله ، وإذا أساء استغفر ربه ، وأناب إليه ، وعلم أن ذلك بقدر الله . وهذا فعل أبينا آدم عليه السلام ، فإن آدم لما عصى سارع بالتوبة فاجتباه ربه وهداه ، وإبليس أصر واحتج بالقدر فلعنه الله وأقصاه، فمن تاب كان آدميًا، ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيًا، والسعيد من تبع أباه، والشقى من يتبع إبليس عدو الله.
.
ولا يكون العبد عبدًا على الحقيقة إلا بمراعاة قدر الله، ومتابعة شرع مولاه. وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر في المصائب لا في المعائب، والسعيد يستغفر عند المعيبة ويصبر ويرضى عند المصيبة، كما قال الله تعالى: ( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك ) ( غافر :55 ) ، ولذلك حج آدمُ موسى عليهما السلام: فإن موسى لما أراد أن يحتج على آدم بالمصيبة - وهى الخروج من الجنة -، حجه آدم بالقدر.
.
فقال له موسى يا آدم أنت أبونا ((خيبتنا وأخرجتنا من الجنة )) ... فهنا موسى عليه السلام يلومه على هذه المصيبة وليس على المعصية .
.
إذن : هذا اللوم يتوجه إلى هذه المصيبة، وهي الخروج من دار النعيم، ومن دار القرار إلى دار الشقاء والنكد والمصائب، فآدم عليه السلام يقول: أنا ليس لي ذنب في الإنزال، بل هي مصيبة ليس لي ذنب فيها؛ لأنه أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، وهذا صريح القرآن: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] أي: أن هذا قبل أن يخلقه: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ[البقرة:30]. 
.
فآدم لم يحتج بالقدر على معصيته وإنما على مصيبته. وموسى لم يعير آدم على الذنب فإنه قد تاب منه والتائب من الذنب لا يلام عليه ولا يعير به. وإنما أراد موسى أن يظهر عظم المصيبة ، فاحتج عليه آدم بالقدر قال النبي صلى الله عليه وسلم فحج آدمُ موسى .
.
لأن آدم عليه السلام قال : يا موسى! الإنزال في الأرض ليس له علاقة بي، عصيت أو لم أعص فالنزول واقع واقع، لأنه قُدر وكُتب قبل أن أخلق بأربعين سنة بأنني أنزل إلى الأرض فلماذا تلومني؟ أتلومني على أمر قد كتبه الله عليَّ قبل أن أخلق بأربعين سنة؟! 
.
إذاً انتهى الجواب: {فحج آدم موسى } وفي رواية أخرى: {ألم تقرأ في التوراة أن الله تعالى كتب أنه سوف ينـزلني إلى الأرض وأنه سيجعلني خليفة في الأرض }.
.
إذن ليس هناك مجال للاحتجاج بالقدر على المعاصي؛ ولكن نحتج بالقدر على المصائب، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ[الحديد:22] وهذا ما أمرنا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن نقول: { قل قدر الله وما شاء فعل }.
.
فلو قيل لك : يا أخي! يوجد في أمريكا الوسطى أناس فقراء، وفي الصين كل يوم يموت من الجوع ألف؛ فما هو رأيك؟ فقلت: يا أخي! لو شاء الله أطعمهم، وهذه مشيئة الله، فكلامك هنا صحيح، فإنه لو شاء الله ما ماتوا في إفريقيا ولا في أمريكا الوسطى ولا في الصين ففي هذا الموضع لا يكون الاحتجاج دافعاً لعدم الإنفاق ولا منعاً للإحسان؛ وإنما تقول هذا من باب الإخبار المجرد؛ فهو في هذه الحالة يتحول إلى كلام على المصيبة وليس على المعصية.
. 

من أقوال : الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي و د.عبدالله الفقيه
.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق