السبت، 11 يوليو 2009

الرد على شبهة سورة البقرة آية 217

.
====================
.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم

.

.
قال المستشرقين أعداء الله ورسوله :- الغدر:
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ; (الآية 217).
بعث محمدٌ عبدَ الله بنَ جحش، وهو ابن عمته، في سَرِيّة في جمادي الآخرة، قبل قتال بدر بشهر. وأمّره على السَّرية، وكتب له كتاباً وقال له: سِرْ على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين. فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فسِرْ على بركة الله تعالى بمن معك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فارصد بها عِيراً لقريش لعلك تأتينا منها بخير . فمضى وأصحابه معه، وكانوا ثمانية رهط، ولم يتخلّف أحدٌ منهم إلى أن وصلوا في بطن نخلة بين مكة والطائف، وفي العير عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وهرقل بن عبد الله المخزوميان. فلما رأوا أصحاب محمد هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم. فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا، فاحلقوا رأس رجل منكم، وليتعرَّضْ لهم. فإذا رأوه محلوقاً أمِنوا. فحلقوا رأس عكاشة بن محصن، ثم أشرف عليهم. فلما رأوه أمِنوا. وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا يرون أنه من رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا: متى تركتموهم هذه الليلة يدخلون الحرم ويمتنعون منكم. فأَجمعوا أمرهم في مواقعة القوم. فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهمٍ فقتله، فكان أول قتيل من المشركين، وأُسر الحكم بن كيسان وعثمان، وكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل فأعجزهم. واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على محمد، فقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام وسفك الدماء وأخذ المال. وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين.
ولما سمع محمدٌ بذلك قال لعبد الله بن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام . ووقف العير والأسيرين ورفض أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظُم ذلك على أصحاب السَّرِيّة وكلّموه في ذلك فاستحلّ ما حصل، كما هو منطوق العبارة القرآنية، وأخذ العير فعزل منها الخُمس، وكان أول خُمسٍ في الإسلام، وأول غنيمة قُسِّمت، وقُسِّم الباقي على أصحاب السرية.
والكثير من أقوال القرآن هي لترضية خواطر أصحاب محمد، وموافقتهم على ما تميل إليه أنفسهم. ففي مبدأ الأمر تكدَّر محمد من غدر أصحابه وما أظهروا من الحيل التي احتالوا بها للفتك والسلب والنهب، حتى عيّرهم العرب. ولكن لما رأى كَدَر أصحاب السرية قال إن الله وافق على فعلهم. (السيرة النبوية لابن كثير سرية عبد الله بن جحش)
... انتهت الشبهة .
.
للرد على هذه الشبهة :-
.
نعرف أن للسنة أثنى عشر شهراً، وقد جعل الله فيها أربعة أشهر حرم: شهر واحد فرد وهو رجب، وثلاثة سرد، هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. ومعنى أشهر حرم أي أن القتال محرم فيها. ... فالحق سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان أراد أن يصون الإنسان حتى يحقن الدماء، فإذا ظل الناس ثلاثة أشهر بلا حرب، ثم شهراً آخر، فنعموا في هذه الفترة بالسلام والراحة والهدوء، فربما يألفون السلام، ولا يفكرون في الحرب مرة أخرى، لكن لو استمرت الحرب بلا توقف لظل سعار الحرب في نفوسهم، وهذه هي ميزة الأشهر الحرم.
.
إن الحق سبحانه وتعالى يعرض هنا قضية أراد بها خصوم الإسلام من كفار قريش واليهود أن يثيروها؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل بعض السرايا للاستطلاع ، والسرية التي  سرية مان على رأسها عبد الله بن جحش الأسدي دخلوا " بطن نخلة " فوجدوا " عمرو بن الحضرمي " ومعه ثلاثة على عير لقريش، فدخلوا معهم في معركة، وكان هذا اليوم في ظنهم هو آخر جمادى الآخرة، لكن تبين لهم فيما بعد أنه أول رجب أي أنه أحد أيام شهر حرام.
.
وقتل المسلمون ابن الحضرمي، قتله واقد بن عبد الله من أصحاب عبد الله ابن جحش، وأسروا اثنين ممن معه، وفر واحد، فلما حدث هذا، وتبين لهم أنهم فعلوا ذلك في أول رجب، عند ذلك اعتبروا أن قتالهم وغنائمهم مخالفة لحرمة شهر رجب.
.
فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغنائم والأسرى حتى يفصل الله في القضية فنزل حكم السماء في القضية بهذا القول الحكيم.
.
إذن : نحن مُسلّمون أن القتال في الشهر الحرام أمر كبير، ولكن انظروا يا كفار قريش إلى ما صنعتم مع عبادنا وقارنوا بين كِبْر هذا وكِبْر ذاك. أنتم تقولون: إن القتال في الشهر الحرام مسألة كبيرة، ولكن صدكم عن سبيل الله وكفركم به، ومنعكم المسلمين من المسجد الحرام، وإخراج أهل مكة منها أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام، فلا تفعلوا ما هو أكبر من القتال في الشهر الحرام، ثم تأخذكم الغيرة على الحرمات.
.
فكأن الحق أراد أن يضع قضية واضحة هي: لا تؤخذوا من جزئيات التدين أشياء وتتحصنوا فيها خلف كلمة حق وأنتم تريدون الباطل فالواقع يعرض الأشياء، ونحن نقول: نعم إن القتال في الشهر الحرام كبير. ولكن يا كفار قريش اعلموا أن فتنة المؤمنين في دينهم وصدهم عن طريق الله، وكفركم به ـ سبحانه ـ وإهداركم حرمة البيت الحرام بما تصنعون فيه من عبادة غير الله، وإخراجكم أهله منه، إن هذه الأمور الآثمة هي عند الله اكبر جرماً وأشد إثماً من القتال في الأشهر الحرم لاسترداد المسلمين بعض حقهم لديكم.
.
ولهذا يرد الحق سهام المشركين في نحورهم { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } أي إياكم أن تعتقدوا أنهم سيحترمون الشهر الحرام ولا المكان الحرام، بل { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أي وسيصرون، ويداومون على قتالكم { حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ }. وتأمل قوله: { إِن اسْتَطَاعُواْ } إن معناها تحد لهم بأنهم لن يستطيعوا أبدا فـ " إنْ " تأتي دائما في الأمر المشكوك فيه. ويتبع الحق { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سيظلون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. 
.
الإمام / محمد متولي الشعراوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق